في هذه الأيّام وبعد أن تحوَّل عالمنا إلى قرية صغيرة، صرنا نسمع عن حوادث كثيرة تحدث في كلّ مكان.
تأتينا الأخبار من هنا وهناك عبر الأقمار الاصطناعيّة ووسائل الإعلام، متطرّفون وإرهابيّون وعصابات وقراصنة، هذا يخطف ذاك، وآخر يقتل نفسه أو عائلته أو زوجته، وأخرى تحرق بيتها أو بيت طليقها، وإلى آخره من شرور تتفاقم وتتعاظم وتشتدّ.
فهل الله غافل عمّا يحدث، غير عالِم بما يجري؟
أم أنّه يسمح بكلّ شيء، ومتواطئ مع الشّرّ؟
ألا تجري كلّ الأمور وفقاً لإرادته ومشيئته؟ فلِمَ يقبل بكلّ هذا؟
ثمّة سؤال قديم، جال في أذهان الكثيرين منّا، سؤال تحيّرنا إذ لم نجد له جواب، سؤال من أعمق تساؤلات هذه الحياة، ستجيب عنه القصّة التّالية، ستجيب عن هل الله خلق الشّرّ؟
تحدّى أحد أساتذة الجامعة تلاميذه بهذا السّؤال: هل الله هو خالق كلّ ما هو موجود؟.
فأجاب واحد منهم بشجاعة: نعم.
كرّر الأستاذ السّؤال: هل الله هو خالق كلّ شيء؟.
ردّ الطالب قائلاَ: نعم يا سيّدي الله خالق جميع الأشياء.
وهنا قال الأستاذ: ما دام الله خالق كلّ شيء، إذن الله خلق الشّرّ وحيث أنَّ الشّرّ موجود ووفقاً للقاعدة التي تقول: "أعمالنا تُظهر حقيقتنا" إذن الله شرّير.
راح الأستاذ يَتيه عَجَباً بنفسه ويفتخر أمام طَلَبته مؤكِّداً أنّه أثبتَ مرّة أُخرى خُرافة الإيمان بالله.
وهنا رفع طالب آخَر يده وقال: هل لي أن أسألك سؤالاً يا أستاذي؟.
فردَّ الأستاذ قائلاً: بالطّبع يمكنك.
سأل الطّالب: هل البَرْد له وجود؟.
أجاب الأستاذ: بالطّبع موجود، ألم تشعر مرّة به؟.
ضحك باقي الطّلَبة من سؤال زميلهم.
أجاب الشّاب قائلاً: في الحقيقة يا سيّدي البَرْد ليس له وجود، فطبقاً لقوانين الطّبيعة ما نعتبره نحن بَرْداً هو في حقيقته غياب الحرارة.
واستطرد قائلاً: كلّ جسم أو شيء يصبح قابلاً للدّراسة عندما يكون حاملاً للطّاقة أو ناقلاً لها، والحرارة هي التي تجعل جسماً أو شيئاً حاملاً أو ناقلاً للطّاقة، الصِّفر المطلق هو 460 فهرنهيت أو 273 مئوية وهو الغياب المطلق للحرارة.
البَرْد ليس له وجود في ذاته، ولكننا خَلَقنا هذا التّعبير لنَصِف ما نشعر به عند غياب الحرارة.
استمرّ الطالب يسأل: أستاذ، هل الظّلام له وجود؟.
ردّ الأستاذ: بالطّبع الظّلام موجود.
فقال الطّالب: معذرة ولكن للمرّة الثّانية هذا خطأ يا سيّدي، فالظّلام هو الآخَر ليس له وجود، في الحقيقة الظّلام يعني غياب الضّوء. نحن قادرون على دراسة الضّوء، لكن، لا يمكننا دراسة الظّلام، في الحقيقة يمكننا استخدام منشور نيوتن لنفرِّق الضّوء الأبيض لأطياف متعدّدة الألوان، ثم ندرس طول موجة كلّ لون ولكنّنا غير قادرين على دراسة الظّلام، كما أنَّ شعاعاً بسيطاً من الضّوء، يمكنه اختراق عالم من الظّلام وإنارته.
هل يمكنك معرفة مقدار ظلمة حيِّز معيَّن؟ بالطّبع لا، في حين أنّك قادر على قياس كميّة ضوء موجودة، أ ليس كذلك؟. الظُّلمة هي تعبير استخدمه الإنسان ليَصِف به ما يحدث عندما لا يوجد نور.
في النّهاية سأل الطّالب أستاذه: سيّدي، هل الشّرّ موجود؟.
وهنا في عدم يقين قال الأستاذ: بالطّبع، كما سبق وقلت، نحن نراه كلّ يوم، وهو المثال اليومي لعدم إنسانيّة الإنسان تجاه الإنسان، إنَّه يكمن في تعدُّد هذه الجرائم وفي هذا المقدار الوافر من العنف إنَّه في كلّ مكان من العالم حولنا، كلّ هذه الظّواهر ليست سوى الشّرّ بعينه.
وعلى هذا أجاب الطّالب قائلاً: الشّرّ ليس له وجود يا سيّدي، على الأقلّ ليس له وجود في ذاته، "الشّرّ ببساطة هو غياب الله". إنَّه مثل الظّلام والبَرْد، كلمة أوجدها الإنسان ليَصِف بها غياب الله. الله لم يخلق الشّرّ، فالشّرّ هو النّتيجة التي تحدث عندما لا يحفظ الإنسان محبّة الله في قلبه، إنّه مثل البَرْد تشعر به عندما تغيب الحرارة، أو الظّلمة التي تأتي عندما يغيب النّور.
وهنا جلس الأستاذ مذهولاً.
وكان الشّاب الصّغير هو "ألبرت آينشتاين".
الجسد الميّت صديقي القارئ هو جسد بارد لا حياة فيه، وحيث قبور الموت نرى ظلاماً شديداً، لكن حيث الحياة نرى النّور والدِّفء.
إنَّ وجود الله في حياتنا يُحيينا ويملؤنا بطاقة إن غابت عنّا صرنا أمواتاً باردين لا قوّة لنا، وجود الله في حياتنا يُشعّ في أذهاننا الفِكَر ويفتح عيوننا على النّور.
طبعاً، نعاني من الشّرّ ونحن بعيدين عن الله، إذ لا حماية لنا بدونه، لا أمان لنا ولا رجاء، فبغيابه تستوي كلّ الأمور وتصبح كلّ الأشياء باطلة الأباطيل.
يحدّثنا الحكيم سليمان عن معنى غياب الله في حياة الإنسان، حيث تصبح كلّ الأمور باطلة لا طعم لها ولا مذاق فيقول، ما معنى الفرح إن لم يمنحه لنا الله، وما معنى النّجاح إن لم يكن من عنده، بدونه لا شِبَع ولا ارتواء الكلّ باطل وقبض الرّيح، وهو يعطينا خلاصة الكلام في ختام سفر الجامعة 12: 13
.
صديقي كي تضمن بقاءك بعيداً عن الشّرّ الْتَصِق بالرّبِّ فحَيثُ يكون الله لا وجود للشّرّ، كما نقرأ في سفر الأمثال 18: 10
.
إذا كان لديك عزيزي القارىء أيّة مشكلة تحبّ أن تشاركنا بها، وتحبّ أن نصلّي لأجلك .. اتّصل بنا