قرأتُ على الإنترنت قصّة تقول
إنّ أحد الملوك العظماء كان في رحلة صيد واصطحب معه صقره الخاص، كان الجو شديد الحرارة ممّا جعل الملك يبحث عن الماء، ليجد في النّهاية صخرة ينساب منها الماء، وعندما ملأ كوبه انقضّ الصّقر على الكوب ليوقعه، فإذا بالملك يسبّ الصّقر ويبدأ من جديد، فيكرّر الصّقر فِعلته، وتكرّرت هذه العمليّة حتّى استشاط الملك من هذا الصّقر ومدّ يده بسيفه نحو الصّقر وقتله، وصعد بنفسه ليشرب من الماء أعلى الصّخرة، ليجد ثعباناً ضخماً ينفث سُمّه في الماء الذي كاد يشربه. لقد مات الصّقر لكي يُنقذ الملك الذي أحبّه. إنّه الثّمن الذي دفعه ليبقى ملكه حيّاً.
على الرّغم من تسمية ثورة مصر بالثّورة البيضاء لأنّ أعضاءها أرادوا أن تكون ثورة سلميّة، إلاّ أنّهم لم يتمكّنوا من تمرير هذه الثّورة بدون ثمن يُدفع. فقد مات فيها أكثر من 300 شخص!! غيرالآلاف من المصابين، أو الذين ماتوا ولم يُسجّل أهاليهم أنّ الثّورة هي سبب الوفاة.
في الواقع لا يمكن أن يكون هناك تغيير بدون دفع الثّمن، فأنت تُغيّر الفاسد، إنّك تهدّد وجوده وكيانه ولا بدّ أن يُدافع لأقصى درجة عن ذلك الكيان، ولذلك لا بدّ أن يُلحق بك الخسائر وأن يكون لديك استعداد لتحمُّلها.
لذلك وأنت تصنع الثّورة ضدّ الكيان الذي تعيش فيه – نفسك - لا بدّ أن تُجهّز نفسك بأنّك سوف تُميت أموراً في حياتك، وربّما تكون محبوبة لديك. ولا بدّ لك من الاستعداد للتّضحية، أي تقديم النّفس بالكامل، وهذا ببساطة يستدعي التّخلُّص من صداقات، أو عادات، أو أماكن كنت تذهب إليها.
وقد يكون هناك عادات تتمتّع بها، مثل إدمان الإنترنت مثلاً الذي تستعمله كلّ يوم وتتصفّح مواقع تعوّدت أن تدخلها بتلقائيّة، وتساهم هذه الصّفحات في إفساد نفسك. ربّما عليك أن تتّخذ قراراً بقطع الإنترنت فترة طويلة حتّى تنسى تلك الصّفحات التي تدخلها بهذه التّلقائيّة، وقبل أن ترجع ثانية ربّما تضطرّ إلى إعادة تشغيل حاسبك الآلي لتحذف المواقع التي تدمّرك ولا تبنيك، أي تنقية حاسبك الآلي أو ربّما تمسح أشياء كثيرة به، وتحدّد لنفسك صفحات تكتسب بها عادات جديدة، وأنت بذلك تُميت تلك العادات داخلك، هذا نتاج تلك الثّورة التي تُحدِثها بنفسك.
ولكن لا أريد أن تفهم من كلامي أنّ تلك الثّورة التي تقودها بنفسك يمكن أن تنجح بقوّتك الشّخصيّة، هذا مستحيل أن ينجح، ولذلك شرح الرّسول بولس الأمر قائلاً في رسالة رومية 7: 15 - 19
.
لذلك نحن شبّهنا هذا الأمر بالثّورة، لأنّ الفساد قابع داخلنا ويحتاج الأمر أن نُميت شيئاً أكبر من مجرّد صداقات أو عادات، فالأمر يحتاج أن نُميت أنفسنا.
اطلُب من الله أن يستلم حياتك، وهذا هو ما تقدّمه لكي تنجح ثورتك.
ربّي وإلهي
أعلم أنّك تشير إلى كلِّ فساد داخل حياتي
أعترف لك أنّي حاولت بقوّتي الشّخصيّة أن أُغيّر من ذلك الفساد
ولكن كان ذلك الفساد أقوى منّي
كنت أفعل ما لا أريده
حاولت كثيراً ولم يبقَ أمامي إلاّ أن أطمع في قوّتك أنت
ها أنا أضع ذاتي بين يديك
أسلّمك حياتي
راضياً أن تَصلب تلك الحياة لكي تحيا أنت فيَّ
حينئذ تنجح تلك الثّورة في داخلي
وأقول مع بولس: فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ
وأغنّي مع عروس النّشيد: كلّ النّفائس من جديدة وقديمة ذَخرتُها لك يا ربّ