بينما العالم من حولنا يتقدّم في شتّى مجالات العلم
وفروعه المختلفة حتّى يكاد أن يُلامس السّحاب من فرط التّقدُّم والمعرفة، فإنّنا نجد أنّ كثيراً من بلداننا العربيّة مازالت تحوي أعداداً كبيرة من الأُميّين وغير المتعلِّمين أغلبيّتهم العظمي من النّساء، ويرجع ذلك لأسباب متعدّدة ومتشعّبة، كما أنَّ له نتائج وخيمة وخطيرة. إذا كنت تريد المزيد عن هذا الموضوع تابع معي ....
هل هي مشكلة جديدة؟
بالطّبع لا، بل هي مشكلة قديمة ومعروفة، بل وتدفع مجتمعاتنا العربيّة ثمناً فادحاً لها مع كلّ طلعة شمس!. فالحقيقة هي أنّ نسبة الأُميّة والجهل في الدّول العربية من المحيط إلى الخليج (وبالأخصِّ في الدّول الفقيرة منها) تصل إلى درجة مرتفعة جدّاً، ممّا كان يستدعي تدخّلاً فوريّاً وقويّاً بل وحاسماً لمحاربة هذه الظّاهرة الكارثيّة المنتشرة في بلداننا بكثرة!، وهذا ما لم يحدث بكلّ أسف عبر حقب وأزمان طويلة!، لا سيّما ونحن نعلم أنّ للمرأة العربيّة في تلك البلدان النّصيب الأكبر من هذه الظّاهرة، وتقول بعض الأرقام الموثّقة إنّ نسبة الأُميّة والجهل عند النّساء في بعض هذه البلدان تصل إلى 80 في المئة، وهو أمر مخجل فعلاً أن نتعايش مع نسبة كهذه لا يتقبّلها العقل ولا المنطق، لأنّه عار علينا إن كنّا لا زلنا لم نُحرِّر نساءنا بعد من الجهل والأُميّة المتفشّيين في البلدان العربيّة لهذا الحدّ الفظيع!.
إحصائيّات وأرقام موثّقة تظهر عُمق المُشكلة ...
لقد أظهر تقرير سابق صادر عن الأمانة العامّة لجامعة الدّول العربيّة وبالتّعاون مع صندوق النّقد العربي ومنظّمة الأقطار العربيّة المُصدِّرة للنّفط، أنّ الدّول العربيّة لا يزال معدّل الأميّة فيها هو الأعلى بين الأقاليم الرّئيسيّة في العالم، بمعدّل يبلغ نحو 25 في المئة.
وقدّر التّقرير أنّ أكثر من نصف الإناث في العام 1999 في سنّ الـ15 عاماً وما فوق في 6 دول عربيّة هنّ من الأميّات، مع وجود أعلى المعدّلات في اليمن بنسبة 71 في المئة، وبلغت هذه النّسبة في موريتانيا نحو 69 في المئة وفي المغرب 65 في المئة وفي مصر 58 في المئة وفي السّودان والعراق بنسبة 55 في المئة.
وقدّر التّقرير عدد الأمييّن الكلّي بنحو 68 مليون شخص، معظمهم وبنسبة ساحقة من الإناث (49.4 في المئة). وتتركّز أعلى مُعدّلات الأميّة في الدّول العربيّة في خمس دول من الأكثر تعداداً هي مصر والسّودان والجزائر والمغرب واليمن، ويبلغ عدد الأميّين فيها نحو 48 مليوناً يمثّلون نحو 71 في المئة من مجموع الأميّين في الوطن العربي ككُل. وتتفاوت مُعدّلات الأميّة في الدّول العربيّة إذ تتراوح بين 13 في المئة في البحرين والكويت و62 في المئة في موريتانيا، وتتجاوز 50 في المئة في اليمن والمغرب. ويُذكر أنّ المُعدّل العربي العام للأميّة بلغ عام 1998 نحو 38 في المئة.
ما أسباب تفاقُم المُشكلة؟
لقد أشار التّقرير الصّادر عن الأمانة العامّة لجامعة الدّول العربيّة المشار إليه سابقاً، أنّ بعض التّقاليد الموروثة والظّروف الاقتصاديّة الصّعبة لا سيّما في المجتمعات الفقيرة، تلعب دوراً يحول دون الإزالة الكاملة للأُميّة والتّخلُّص منها تماماً. ولاحظ التّقرير أنّ عدد الأُميّين قد زاد كنتيجة لارتفاع مُعدّلات التّسرُّب من المدارس إضافة إلى عوامل أخرى. إضافة لذلك، فإنّنا نلاحظ أنّ عمليّة مُمنهجة ومدروسة تقودها بعض التّيّارات الظّلامية سواء كانت حزبيّة أو سياسيّة أو دينيّة مُتشدّدة، تعمل بجديّة شديدة في إطار عمليّة تهميش المرأة في حياة المجتمع وفي المدرسة، وكثيراً ما يتمّ ذلك أيضاً، ليس باسم الدِّين فقط، بل وأحياناً أخرى باسم القِيَم والأعراف والأخلاق والعادات والتّقاليد!.
وفي كثير من الأحيان يُعارض الرّجال خروج المرأة العربيّة من حالة الأميّة إلى آفاق معرفيّة تُهدّد توازنات قديمة اعتادوا عليها داخل العائلة والمجتمع المحلّي.
ما النتائج التي تترتب على وجود تلك المشكلة؟
هناك من النّتائج الكثير سواء على المستوى الشّخصي أو المجتمعي، فعلى المستوى الشّخصي أقول إنّه من المعروف أنّ الجاهل لا يستطيع أن يبني وطناً ولا مستقبلاً له ولا لأمّته ومجتمعه، ولن يكون قادراً على صنع الكثير من الخير أو الإنجاز لنفسه ولا لمن هُم حوله، والأكثر من ذلك أنّ الجاهل يكون في أحيان كثيرة عُرضة للتّهميش وللاحتقار بل وللتّعدّي والقهر والاستغلال، وإذا كانت هذه هي التّطبيقات العامّة والنّتائج المزمنة للجاهل عموماً، فكم وكم تكون لو كان الطّرف الأمّي هو فتاة أو امرأة؟ إنّ المشكلة وقتها تزداد أبعادها صعوبة وتعقيداً.
وعلى المستوى الجمعي أو المجتمعي أقول إنّ عدم معرفة المرأة وقلّة تعليمها يُمكّن الكثيرين من أصحاب المصالح أن يستغلّوا تلك المرأة وسذاجتها لتحقيق مآرب خاصّة أو مصالح شخصيّة، ولعلّ هذا كان واضحاً جدّاً في الانتخابات المصريّة التي تكالبت فيها القوى السّياسيّة والتّيّارات الدّينيّة لكسب أصوات المرأة غير المتعلّمة، مستغلّين جهلها وبساطتها في التّصويت لمرشّح ما بعَينه وهي لا تعرف أصلاً معنى كلمة حزب، فكم بالحري ما يمكن أن تعرفه عن برنامج انتخابي لمرشّح بعَينه ستذهب لتُدلي بصوتها لصالحه!، وهذا هو قمّة التّزوير والاستغلال والخداع!.
ما هي التّدابير التي تقوم بها الدّول للتّصدّي لتلك الظّاهرة؟
مع أنّنا نلاحظ ـ بين الحين والآخر ـ كيف أنّ أصواتاً عاقلة وناضجة تخرج علينا من حين لآخر هنا وهناك في شتّى أنحاء وطننا العربي الكبير، داعية إلى الإصلاح وإلى مساعدة المرأة للخروج من شرنقتها والانطلاق نحو المعرفة والعلم، مندّدة بما يمارَس على المرأة العربيّة من ظلام وإظلام وقهر، ومُحذّرة من خطر ذلك على المجتمع بأسره، إلّا أنّنا كثيراً ما نرى في المقابل أصواتاً تبدو أقوى وأكثر وأعلى، تسير في الاتّجاه المُضاد، وهي وإن كانت أحياناً لا تنادي صراحة بقمع المرأة (وإن كانت في أحيان كثيرة أخرى لا تتورّع عن أن تفعل!)، إلّا أنّها في مُجمل القول لا تفعل شيئاً جديّاً في سبيل تحقيق ذلك الغرض المنشود لصالح المرأة وثقافتها وتعليمها، بل تقاوم ذلك الغرض أو في أفضل الظّروف تُعمي عينيها عنه. فتكون النّتيجة أن تتيه القضيّة أخيراً ولا تستفيد المرأة شيئاً، وهذا هو ما تعيش فيه أوطاننا العربيّة لسنين عديدة، وتكون المُحصّلة إجمالاً أن لا شيء يتغيّر!.
صرخة من أجل التّصدّي والعلاج ....
إنّ تحرير المرأة في العالم العربي إنّما هو يرتبط ارتباطاً وثيقاً إذاً، بعمليّة إخراج المرأة من أُميّتها إلى رحاب المعرفة والعلم والتّفاعل الاجتماعي والمجتمعي. كما أنّنا إن تطرّقنا أيضاً إلى تنمية المجتمعات بمفهومها الشّامل والواسع، فإنّنا سنجد أنّ قضيّة محو أميّة المرأة العربيّة لهو شرط أساسي في إطلاق العمليّة التّنمويّة للمجتمع ككلّ، وذلك ببساطة لأنّ المرأة تشكّل جزءاً لا يتجزّأ من المجتمع ولها دورها الفاعل والمُؤثّر فيه. لذلك فإنّنا نقول إنّ المسألة برمّتها وبكافّة أبعادها لا بُدّ أن تنتقل أوّلاً من حَيّز التّركيز على النّهوض الاقتصادي، إلى حالة من النّهوض الاجتماعي والسّياسي وبناء الدّيمقراطيّة أوّلاً. وعليه، فإنّ محو أميّة المرأة لهو كذلك إطلاق لمسيرة الدّيمقراطيّة في المجتمع لكونها ركناً أساسيّاً وضروريّاً في إحداث تلك النّقلة التي يجب أن تواكب المجتمع في مسيرة تحرّره بشكل عام.
لذلك فإنّ مكافحة الأميّة في العالم العربي اليوم بشكل عام، وتجاه المرأة على وجه الخصوص لا تعتبر شرطاً أساسيّاً من أجل تنمية سليمة فقط، بل هي تُعتبر بمثابة شرط أساسي لبناء مجتمع ديمقراطي سليم يُمكّن أكثر من نصف المجتمع من اكتساب المعارف اللّغويّة والعلميّة الحديثة، لأنّ الشّراكة في بناء الدّيمقراطيّة هي اللّبنة الأولى في بناء الصّرح الدّيمقراطي الذي يحلم به المجتمع العربي.
والأمر على هذا النّحو إنّما يستدعي تدخّلاً عاجلاً من الحكومات والقوى النّسائيّة ومن المدافعين عن حقوق المرأة وجمعيّات حقوق الإنسان العالميّة والعربيّة، من أجل محاربة الأُميّة والجهل والفقر المنتشر في البلدان العربيّة كافّة من المحيط إلى الخليج.