يتبع ..
1- التطبيق
كل ما تمّ ذكره في المقالة السابقة هو تطبيق البشر للعقيدة، فالتطبيق يختلف تماماً عن الممارسات التي ينتهجها رِجال الدِّين، ولذلك عندما نريد أن نكون موضوعيين علينا أن ننظر للعقائد وندرس نصوصها، بعيداً عن الممارسات التي يطبّقها رِجال الدِّين.
على مدى تاريخ المسيحية كان رِجال الدِّين والمدعوّين مسيحيين، سبباً كبيراً في تشويه المسيحية. وقد عبّر غاندي عن هذه الحقيقة عندما كان يكرّر عبارة "لولا المسيحيين لصِرتُ مسيحيّاً".
ولكي نكون موضوعيين تماماً، سوف نقوم باستخدام المقاييس النقدية نفسها ونطبّقها على المسيحية والإسلام، لكي نعرف هل الكتب المقدسة والنصوص الخاصة بهذه الأديان تدفع للعنف، أَم المشكلة تكمن في كيفيّة تطبيق هذه النصوص ..
2- العقيدة
• أولاً، هل المسيحية تدفع إلى العنف؟
حينما نقرأ نصّاً من الإنجيل، علينا أن لا نفصل بين هذا النص وروح الإنجيل بوجه عام، "الْحَرْفَ يَقْتُلُ وَلكِنَّ الرُّوحَ يُحْيِي" 2 كورنثوس ٦:٣.
وعندما نتأمل في تعاليم يسوع نجد أنها تبغض العنف بكل أشكاله وصوره، والأكثر من ذلك أنها تشجع على نشر السلام والرحمة ومحبة والأعداء ..
وقد ظهر ذلك بوضوح من خلال تعاليمه المليئة بالسّموّ والرّقيّ الإنسانيّين، فعندما نقرأ هذه المقتطفات من الموعظة على الجبل نكتشف جوهر الإيمان المسيحي:
- طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ.
- طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ، لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ.
- طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ.
- طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ.
- فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.
- فَإِنْ قَدَّمْتَ قُرْبَانَكَ إِلَى الْمَذْبَحِ، وَهُنَاكَ تَذَكَّرْتَ أَنَّ لأَخِيكَ شَيْئًا عَلَيْكَ، فَاتْرُكْ هُنَاكَ قُرْبَانَكَ قُدَّامَ الْمَذْبَحِ، وَاذْهَبْ أَوَّلاً اصْطَلِحْ مَعَ أَخِيكَ، وَحِينَئِذٍ تَعَالَ وَقَدِّمْ قُرْبَانَكَ.
- وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا.
- وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضًا. وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلاً وَاحِدًا فَاذْهَبْ مَعَهُ اثْنَيْنِ. مَنْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْتَرِضَ مِنْكَ فَلاَ تَرُدَّهُ.
- وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ.
معنى كلمة طوبى هي غبطة وسعادة، خير دائم.
ونلاحظ أيضاً
لم يقُلْ السّيّد المسيح خلال تعاليمه إنّه يجب عليكم فعل ذلك إذا كنتم ضعفاء فقط، ولكن إذا كنتم أقوياء فهناك طريقة أخرى عليكم اتّباعها.
ولم يقُلْ تظاهر فقط بأنك تحب من حولك، ولكن احتفظ بمشاعر العداوة بداخلك، وادعي لعدوك بأن ينتقم الله منه وأن ييتّم أولاده وأن يرمّل نساءه ..
ولكنه كان يريد أن تتغير القلوب إلى قلوب قادرة أن تحب حبّاً حقيقيّاً، وقادرة على الصفح والغفران، قادرة على أن تصنع السلام في عالم مظلم يحتاج لنور أتباع المسيح ..
من الواضح أنك معجب بتعاليم المسيح، فالموعظة على الجبل مملوءة بالقيم الجميلة ..
ولكنك تهرّبت من أن تناقش - حتى هذه اللحظة - النصوص التي تشجع على العنف سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
تابعنا في الحلقة القادمة، الأديان بين العقيدة والتطبيق 3