غالباً ما يعتمد نُقّاد الإيمان المسيحي على اجتزاء نصٍّ من الإنجيل المقدّس منسوب للرّب يسوع المسيح، وخلعه عن سياقه ليتحجّجوا به نفياً
لألوهيّة السّيّد المسيح، ومن بين هذه النّصوص ما قاله الرّب يسوع في إنجيل يوحنّا 14: 28 . الواقع لو أخذنا هذا النّص وحده كما هو وغضّينا النّظر عن السّياق الموجود فيه، ودون الرّجوع إلى نصوص أُخرى يُعلِن فيها الرّب يسوع المسيح مساواته مع الآب، لكنّا قَبِلنا أنّ المسيح غير مساوٍ للآب ولا هو ربٌّ وإله، بل فقط هو نبيّ من الأنبياء. وقبل أن نقدّم شرحاً مختصراً لِما قاله المسيح بأنّ الآب أعظم منه، من المهمّ أن نستعرض بعض النّصوص الإنجيليّة التي يعلن فيها الرّب يسوع المسيح مساواته للآب.
مساواة المسيح بالآب
لم يُخْفِ الرّب يسوع عن النّاس مساواته مع الآب وخاصّةً لمُعلِّمي الشّريعة اليهوديّة، المؤتَمَنين على التّعليم الدّيني والحفاظ على الشّريعة المُسلَّمة إليهم في العهد القديم من الكتاب المقدّس .... ماذا قال الرّب يسوع عن مساواته مع الآب:
* الآب والابن واحد: أعلنها الرّب يسوع صراحة أنّه والآب واحد ... وطبعاً هو لا يعني وحدة الهدف بكلامه هذا، مع العلم أنّ هدف الآب والابن واحد دون أدنى شك، وإلاّ لكان اليهود فهموا ذلك ووافقوه، لكنّهم عرفوا قصد المسيح فاتّهموه بالتّجديف (يوحنا 10: 30 )، هذا الكلام كرّره الرّب يسوع في صلاته في (يوحنا 17: 11 ).
* رؤية الله في شخص المسيح: ليس سهلاً أن يجاهر المسيح بكلامٍ خطيرٍ كمِثل قوله أنّ من يراه فهو قد رأى الآب (يوحنا 14: 9 ).
* الآب في الابن والابن في الآب: عميقٌ كلام المسيح، فهو يحدّد رِفعته ومقامه الإلهي ليس كإله ثانٍ بجانب الآب، بل إله واحد. فهو يخبرنا أنّه موجود في الآب والآب موجود فيه، وكلاهما في اتّحاد إلهي لا ينفصل ولا يتجزّأ، (يوحنا 14: 11 ).
* كلّ ما للآب هو للمسيح: أيُعقَل أن يكون كلّ ما لله هو لنبي؟ هل هكذا يتخلّى الله عن كلّ ما عنده ليَهبه لنبي؟ ماذا يعني كلام المسيح يا ترى؟ بكل بساطة فالمسيح يؤكّد لنا ويُفهمنا أنّه لا فرق بينه وبين الآب، ولا فرق بين ما يملكه الآب وما يملكه الابن، لأنّهما واحد في الجوهر الإلهي. لم نقرأ عن نبيٍّ تجرّأ على مثلِ هذا القول كما فعل الرّب يسوع المسيح.
هذه نقاطٌ أربع من نقاطٍ كثيرةٍ في الكتاب المقدّس تؤكّد لنا ألوهيّة الرّب يسوع المسيح.
الآب أعظم منّي
ماذا قصد المسيح بقوله هذا؟ كما هو واضح في الإنجيل المقدّس فإنّ المسيح هو إله وإنسان، أي ذو طبيعتَين إلهيّة وبشريّة. حيث أنّ المسيح تجسّد بشراً وصار إنساناً مثلنا وشابَهنا بكلّ شيء ما خلا الخطيئة، فحتماً الطّبيعة البشريّة هي تحت سلطان الطّبيعة الإلهيّة، ممّا يعني أنّ قصد المسيح باعتبار الآب أعظم منه، فهو يتحدّث من منطلق طبيعته البشريّة الإنسانيّة. مكتوب عن المسيح أنّه صورة الله أخلى نفسه وصار كشبه النّاس، بل صار كعبد احتمل الآلام والموت عربون محبّته لنا، مُتخلِّياً عن مجده الإلهي بينما كان في طريقه للصّليب ليتمّم الرّسالة التي تجسّد من أجلها. الرّب يسوع لم يعتبر نفسه خِلسةً مساوياً للآب، وخِلسةً تعني تعدّياً على حقّ ليس له، بل لأنّه واحد مع الآب في الألوهة، وهذه حقيقة لم يتنازل عنها المسيح ولم يساوم عليها مع اليهود حين سألوه مستنكرين كما نقرأ في يوحنا 10: 33 )، و(فيليبي 2: 5-8 ). يجب أن نلاحظ أنّ كلام المسيح لتلاميذه قد جاء قبل أن يتوجّه إلى الصّليب، وهو ينظر إلى نفسه متألِّماً مُهاناً ومصلوباً وسط لِصَّين وجماعة من اليهود والرّومان يجدّوفون عليه. إذاً، قال الرّب يسوع هذه العبارة في سياق إخباره تلاميذه، بأنّه عائد إلى السّماء حيث مجده الإلهي هو نفسه المجد الإلهي الذي للآب، بعد أن يُنجز العمل الذي تجسّد من أجله، وعليهم ألاّ يحزنوا بل يفرحوا لارتفاعه إلى الأمجاد السّماويّة، وهو إنْ فارقهم بالجسد لكنّه سيبقى معهم كلّ الأيّام بروحه القدّوس منتظرين مجيئه الثّاني، وحتّى ذلك الوقت عليهم أن يكرزوا بالإنجيل للخليقة كلّها باسم الإله الواحد، أي الآب والابن والرّوح القدس.
صديقي القارئ، إن شئت حقّاً معرفة المسيح والتّأكُّد من هويّته، فمَرجعك الوحيد هو إنجيل المسيح. لا تتردّد بقرائته لأنّه طريقك لمعرفة الحقّ والسَّير في طريقه.
المسيح ابن الله، كيف نفهم هذه العبارة؟
ماذا يقول الكتاب المقدّس عن أشرف المُرسَلين وأكرم المولودين؟