اتّصل بي أحد متابعي موقع معرفة هاتفيّاً يسأل عن الإيمان المسيحي، ويقول بأنّه يريد أن يعرف أكثر، ففرحت لهذا الاتّصال لأنّنا بذلك نصل إلى الهدف الذي من أجله أُنشىء الموقع. لكن فرحتي لم تدم إلّا عدّة ثواني.
فما أن سمعت أسئلته حتّى اكتشفت أنّه يسأل كي يسأل فقط، وليس كما توقّعت أنّه يسأل طلباً للمعرفة.
وما أدهشني أكثر أنّه بدأ يقارن بين ديانته والإيمان المسيحي. فأوّل سؤال كان: هل هناك رَجل دِين مسيحي ترك المسيحيّة وتبع دينه؟ كان جوابي هو أنا شخصيّاً لا أعرف أحداً، لكن ربّما هناك أشخاص اتّخذوا قراراً مثل هذا. لكن صديقي راح يؤكّد لي بأنّ هناك الكثير من رجال الدِّين اعتنقوا دينه. وكان سؤاله الثّاني متعلّقاً بالأوّل إذ قال: وهل يوجد رِجال دين من ديانته تركوا دينهم واتّبعوا الإيمان المسيحي؟ فأجبته نعم، وأنا أعرف أكثر من واحد وبشكل شخصي. فثار وغضب وقال قل لي من هم؟ فقلت له لسنا هنا بصدد الكلام عن أسماء لأنّ هذا يشكّل خطراً على حياة هؤلاء الأشخاص، لأنّهم يُعتبرون مرتدّون. وانتقل السّائل إلى سؤاله الثّالث عن نسبة وعدد هؤلاء المتحوّلين إلى المسيحيّة؟ فكان جوابي إنّنا لا نقيس المسألة بالكيلو ولا بالعدد. فالله يتعاطى معنا كبشر كلّ واحد بمفرده، وليس كأكثريّة وأقليّة أو بالحجم أو بالعدد.
أمّا سؤاله الذي دلّ على أنّه يسأل لمجرّد الأسئلة، كان: كم مرّة يصلّي المسيحيّون؟ أليس فقط يوم الأحد في الكنيسة؟ فأجبته بأنّني شخصيّاً كمسيحي، أُصلّي كلّ يوم وعدّة مرّات في اليوم، ويكاد يكون يومي كلّه هو عبارة عن تواصل دائم مع الله، فليس هناك من وقت محدّد للصّلاة، والإنجيل المقدّس يعلّمنا أن: "صلّوا بلا انقطاع" (1 تسالونيكي 5: 17). مع العلم أنّ المؤمنين بالمسيح يجتمعون للصّلاة والعبادة الجماعيّة أكثر من مرّة في الأسبوع وفي أوقات محدّدة. فقال لي ألا تعتقد بأنّ ديني هو الأكثر صحّة لأنّنا نصلّي خمس مرّات في اليوم؟ مرّة أخرى قلت له، وهل صحّة دِين ما تُحسب بالكيلو أو بعدد الصّلوات؟ بالطّبع لا، لأنّه وبهذا المقياس سيكون الإيمان المسيحي هو الدِّين الصّحيح الوحيد في العالم. لأنّني وكما قلت سابقاً أقضي يومي كلّه في تواصل مع الله في كلّ الظّروف وفي كلّ الأحوال وفي كلّ الأوقات. لكنّنا أيضاً لا نقيس الإيمان المسيحي بهذا المقياس مع أنّه صحيح. بل إنّنا نقيس الإيمان المسيحي في مدى تأثيره على المسيحي نفسه. فالكتاب المقدّس يقول: "من ثمارهم تعرفونهم" (إنجيل متّى 7: 20). ومن ثمار الإيمان المسيحي، الفرح الدّائم، والسّلام والطّمأنينة تجاه الماضي والحاضر والمستقبل، تغيير جذري من الدّاخل. فالمسيحي رسالته الخلاص ومضمونها المحبّة، مستعملاً أسلوب اللّطف والوداعة.
لصديقي المتّصل ولكلّ إنسان يسأل مثل هذه الأسئلة أقول: الإيمان الصّحيح لا يُقاس بالكيلو أو بالعدد أو بالأرقام، بل بمدى تأثيره على الحياة والفكر والعمل.