الثوب الأول - الثّوب الدّاخلي - التّواضع
1 بطرس 5: 5 "كذلك أيّها الأحداث اخضعوا للشّيوخ وكونوا جميعاً خاضعين بعضكم لبعض وتسربلوا بالتّواضع لأنّ الله يقاوم المُستَكبِرين وأمّا المتواضعون فيعطيهم نعمة". |
|
التواضع ليس هو غياب الكبرياء أو الغرور بل هو وجود التّقوى (الورع). إنّه سِمة شخصيّة تتّضح فقط في حياة من يعرف مكانته أمام خالقه، كما أنّه فضيلة تؤمِّن علاقته الشّخصيّة مع الله. يُفقد عندما يتحقق ويُكتسب عندما يتخلى عنه المرء. إنّه "لِباس تحتي" يظهر فقط في الطّريقة التي تتناسب بها قطع الملابس مع بعضها البعض. إنّه القطعة الوحيدة التي لا بدّ أن نتعامل معها بحذر خلال رحلة الإيمان. في كتابه Good to Great: Why Some Companies Make the Leap... and Others Don't درس "جيم كولينز" أحوال الشّركات التي تطوّرت من الأحسن إلى الأفضل. من بين السِّمات التي ميّزتْ هذه الشّركات أنّ كلّها كان لديها قائد من المستوى الخامس. لاحظ أنّ قادة المستوى الخامس يُبعِدون الأنا عن أنفسهم ويوجّهونها إلى هدف أكبر في قيادة شركتهم، أي نحو النّجاح والعَظَمة. ثمّ ينظر "كولينز" إلى فوائد التّواضع كصفة لازمة للقادة. فكرة جميلة، موقف خاطىء! التواضع ليس إناءً للعَظَمة، بل هو صفة للتّقوى. النّظر إلى فوائد التّواضع يعكس فكراً عالميّاً يتناقض مع الفهم الكتابي للتّواضع. فما أن يظهر التّواضع كأنّه جائزة سيصبح حجر عثرة في علاقتنا مع الله ويتركنا عرايا وخجلانين. يرجع الفضل إلى "وودي آلان" في هذه المقولة: "إذا أردت أن تُضحِك الله أخبره عن خططك". ونحن قد نضيف إليها: "وإذا أردت أن تسمعه يضحك بصوت أعلى أخبره كم حقّقتَ منها". هذا الكلام صحيح لكن ليس من السّهل قبوله. وصعب جدّاً أن نعترف بأنّه من دون الله لا يمكننا أن نعمل شيئاً (يوحنّا 15: 5 "أنا الكرمة وأنتم الأغصان ... لأنّكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً"). التّواضع الدّنيوي يتطلّب درجة أقلّ من الأنا، لكنّه يستند دائماً على الذّات للحصول على غرضه وطلب العَظَمة في تنفيذ ذلك. أمّا التّواضع الكتابي فيتفّهم اتّكالنا على الله وبأنّه مصدر كلّ نجاحاتنا. التّواضع الكتابي يسعى إلى عَظَمة المصدر وليس إلى عَظَمة الذّات. إنّ القول أو الاعتقاد بأنّك متواضع يُعَدُّ شكلاً مُشوَّهاً من الكبرياء، لذا فمفتاح التّواضع هو أن تُبعِد عينيك عن نفسك وتضعها على الذي منه وله وبه كلّ الأشياء ممكنة. التّواضع الطّبيعي يقود إلى الخضوع، ونحن بحاجة خلال رحلة الإيمان إلى أن نُقِرّ بأنّنا لا نُمسك بزمام الأمور كما نودّ أن نعتقد، وبحاجة أيضاً إلى أن نخضع لمن يتحكّم في النّتائج النّهائيّة. إنّنا نُعِدُّ ونخطّط جيّداً للرّحلة ومع ذلك نعرف أنّنا كالطّين بين يَدَي الفخّاري. إنّنا لا نتّضع لنضمن رحلة آمنة فحسب، بل لأنّنا نُقِرّ بضعفنا وجهلنا وفشلنا ولأنّنا بدونه لا نستطيع أن نعمل شيئاً. |
|
وُلِد "ديكسون إدوارد هوست" عام 1861 وكان مُرسَلاً بالصّين. خَلَف "هدسون تايلور" كالمدير العام لهيئة مُرسَلي الصين (من 1902 إلى 1935). ظل "ديكسون هوست" يخدم لمدة 33 سنة في بيئة عدوانيّة مُقدِّماً كلّ تضحية ممكنة لأجل ملكوت الله. لم يسمع باسمه إلاّ نسبة قليلة من المسيحيّين اليوم، ومع ذلك فعدم سماع المؤمنين ـ بمن فيهم قادة إرساليّات أو هُواة قراءة سِيَر المُرسلين الذّاتيّة ـ بِاسم هذا الخادم يُعَدُّ مدحاً يفوق الوصف لخادم لم يكن له إلاّ هدف واحد هو أن يَنقُص حتّى يزيد المسيح. رغبته الوحيدة في الحياة تتلخّص في هذه الصّلاة التي عاشها: "أعيش حياتي مَنسِيّاً حتّى يتذكّر الجميع المسيح". أي أنّ مجرّد ذِكر اسمه في هذا الكتاب لايحترم رغبته بشكل أو بآخر. لكن الدّرس الذي نتعلّمه من هذا الرّجُل الذي كان مساهماً في أعظم نهضة في تاريخ الكنيسة ثمّ نَسِيه الجميع، هو شهادة حيّة لمن يعيش حياة الاتّضاع. |
|
"أؤمن أنّ أول اختبار لأيّ رَجُل عظيم بكلّ معنى الكلمة هو اختبار اتّضاعه. لا أعني بالاتّضاع الشّكّ في قدرته. لكنّ الرِّجال العظماء لديهم إحساساً غريباً بأنّ العَظَمة ليست منهم بل من خلالهم. كما يرون شيئاً إلهيّاً في كلّ إنسان آخر ويتميّزون بدرجة لا حدّ لها من الرّحمة". جون رسكين |
|
يا رب، ليكن نجاحي دائماً انعكاساً لصلاحك وليس لعَظَمتي. لتشهد حياتي عن شخصك وليس عن أعمالي. رغبة قلبي الحقيقيّة يا ربّ، هي أن أعيش حياتي مَنسيّاً حتّى يتذكّروك أنت وحدك. |